نزوح جماعي وأزمات متشابكة.. كيف تعصف حرب السودان بدول الجوار؟
نزوح جماعي وأزمات متشابكة.. كيف تعصف حرب السودان بدول الجوار؟
منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، اشتدت الأزمات المتراكمة في السودان، وامتدت تداعياتها إلى دول الجوار، مخلفة وراءها مأساة إنسانية كبرى يعيشها الملايين داخل السودان وخارجه.
تُعدّ الأزمة الإنسانية في السودان اليوم الأكبر على مستوى العالم، حيث يحتاج اثنان من كل ثلاثة أشخاص إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ويواجه أكثر من 25 مليون شخص خطر الجوع الحاد، في وقت تجاوز فيه عدد النازحين داخليًا وخارجيًا 12 مليون شخص وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
3.8 ملايين لاجئ
شهد السودان أكبر موجة نزوح في العالم خلال العام الماضي، وأكد المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أن "ثلث سكان السودان نازحون"، مشددًا على أن تبعات الصراع المدمّر تجاوزت الحدود الجغرافية للبلاد.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد عبر نحو 3.8 مليون لاجئ سوداني إلى دول الجوار، وغالبًا ما وصلوا إلى مناطق نائية تفتقر للخدمات، ما خلق أزمة إنسانية عميقة في بلدان مثل مصر وتشاد، وتستضيف مصر حاليًا نحو 600 ألف لاجئ، فيما استقبلت تشاد أكثر من 700 ألف، وتتوقع حكومتها أن يصل العدد إلى مليون لاجئ مع نهاية 2025.
وعانت أنظمة الرعاية الصحية في دول مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، ضغوطًا هائلة بسبب تدفق اللاجئين، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وأسهم نقص الأدوية والكوادر الطبية وتدهور البنى التحتية في إرباك جهود الاستجابة.
في مصر، اضطرت مفوضية اللاجئين لتعليق جميع خدمات العلاج الطبي للاجئين الجدد، بما في ذلك العمليات الجراحية وأدوية الأمراض المزمنة، ما ترك نحو 20 ألف مريض في مواجهة مصيرهم دون دعم.
بيئة خصبة لانتشار الأمراض
أدى تدمير النظام الصحي داخل السودان إلى ما وصفته منظمة الصحة العالمية بـ"عاصفة مثالية" لانتشار الأمراض، فقد لجأ مئات الآلاف إلى مناطق مكتظة تفتقر للمياه النظيفة والصرف الصحي، ما زاد من خطر تفشي الأوبئة.
وسُجّلت بالفعل زيادة مقلقة في حالات الإصابة بالأمراض في المناطق الحدودية ومواقع الإيواء، وسط ضعف في معدلات التطعيم، ما أسهم في انتقال العدوى إلى المجتمعات المستضيفة في الدول المجاورة.
وتسببت الحرب في زعزعة استقرار مناطق حدودية تعاني أصلاً أزمات مزمنة، وفي ظل غياب الأمن، شهدت دول مثل ليبيا وتشاد وجنوب السودان تدفقًا للأسلحة وتحركات للجماعات المسلحة، ما زاد من هشاشة الأوضاع.
في تشاد، تزايدت حوادث العنف المرتبطة بوجود ميليشيات سودانية، فيما أفادت تقارير بوجود تحالفات بين قوات الدعم السريع وميليشيات محلية في جنوب السودان، ما يهدد بانتقال الصراع إلى نطاق إقليمي أوسع.
النساء في قلب المعاناة
استُخدم العنف الجنسي سلاح حرب في السودان، ما أجبر آلاف النساء والفتيات على النزوح تحت وطأة الخوف، لكن رحلة الهروب لم تكن أقل قسوة، إذ وجدن أنفسهن في مخيمات مكتظة تفتقر للأمان.
وأشارت منظمة اليونيسف إلى أن 66% من ضحايا الاغتصاب المبلّغ عنهم كانوا من الفتيات، بعضهن دون سن الخامسة، فيما وصفت الحالات المسجلة لأطفال في عمر عام واحد بأنها "صادمة ومروعة"، أما الأولاد، فمعاناتهم لا تقل خطورة، إذ يُعوقهم الخجل والوصمة عن طلب المساعدة أو الإبلاغ عن الاعتداءات.
وأدى الصراع إلى تعطيل الطرق التجارية بين السودان ودول الجوار، ما أثر في سبل العيش بدول مثل إثيوبيا ومصر، وارتفعت تكاليف النقل وتراجعت الأنشطة الاقتصادية بشكل حاد، فيما نُقلت الموارد الحيوية في تشاد وجنوب السودان من قطاعات الإنتاج إلى الاستجابة للأزمة الإنسانية.
في بلد تعاني فيه المجتمعات أساسًا من الفقر، ضاعف تدفق اللاجئين الضغوط، وعمّق الفجوة بين الحاجات والموارد المتاحة.
نقص التمويل
أطلقت الأمم المتحدة خطة استجابة إقليمية لعام 2025، تهدف إلى تقديم مساعدات عاجلة لـ4.8 ملايين لاجئ ومجتمع مضيف في سبع دول، تشمل الخطة توفير ملاجئ طارئة، ونقلًا آمنًا من الحدود، ودعمًا نفسيًا وصحيًا، وتعليمًا للأطفال.
لكن من دون تمويل كافٍ، يُخشى أن يُحرم ثلثا الأطفال اللاجئين من التعليم الابتدائي، وأن يعاني ما لا يقل عن 1.8 مليون شخص، نقص الغذاء، في وقت تحتاج فيه الخطة إلى 1.8 مليار دولار لمواجهة التحديات.
تعود جذور الأزمة الحالية إلى فترات طويلة من الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة في السودان، وتفاقمت مع اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
ورغم تعدد المبادرات الدبلوماسية، ما زال وقف إطلاق النار بعيد المنال، فيما يواصل المدنيون دفع الثمن الأغلى في واحدة من أعقد الكوارث الإنسانية في العالم اليوم.